الاثنين، ١٨ ديسمبر ٢٠٠٦

رياض السنباطى 1906 - 1981


رياض السنباطى .. فنان موسيقى وملحن من الدرجة الأولى ، قدم خلال حياته أرقى ما يمكن من كلاسيكيات الموسيقى العربية ، وحفر اسمه فى سجل الخلود الفنى مع كبار الموسيقيين والملحنين بموهبته ومجهوده وإخلاصه
اقترن اسم السنباطى باسم أم كلثوم وبتلحين القصائد وهو أبرع من لحن القصيدة ومن ألحانه كان أفضل ما غنته كوكب الشرق ، وإليه ينسب الفضل فى انتشار قصائد عربية عظيمة لم تكن لتنتشر لولا ألحانه ، كما اشتهر بالألحان الرومانسية العذبة التى لحنها لأم كلثوم من كلمات فارس الرومانسية الغنائية أحمد رامى
احتفظ السنباطى بمكانة عالية فى سماء الفن طوال عمره الفنى واستمر عطاؤه حتى السبعينات من القرن العشرين
ورياض السنباطي فنان موهوب بلا شك لكنه محظوظ أيضا!، فقد ولد لأب فنان عام علمه بنفسه مبادئ الموسيقى والعزف على العود في مدينة المنصورة ونشأ فى رعايته الفنية ، وهو بهذا يختلف عن معظم الرواد الموسيقيين الكبار الذين عانوا الكثير بسبب رفض أسرهم اشتغالهم بالفن ، بل مجرد هوايته! ويشترك فى ذلك مع محمد القصبجى الذى كان والده موسيقيا ، لكن هذا لم يكن وجه الاشتراك الوحيد مع محمد القصبجى كما سيتضح لنا فيما بعد بدأ رياض التجريب مبكرا كمطرب فعرف بأدائه الرائع وكان معجبا بألحان محمد القصبجى فحفظ له الكثير ثم انتقل رياض إلى القاهرة والتحق بمعهد الموسيقى
عام 1936 أول ألحان رياض لأم كلثوم - على بلد المحبوب
ابتسم الحظ لرياض السنباطى عندما التقطته أم كلثوم لنفسها ملحنا وكان قد بدأ يلحن لبعض المطربين والمطربات ، وحتى ذلك الوقت لم يكن قد لحن لأم كلثوم غير بضعة ملحنين أهمهم محمد القصبجى وزكريا أحمد وهم من فطاحل الموسيقى فكان السنباطى أصغرهم سنا ، وحققت أول أغنية لحنها لها من كلمات أحمد رامى نجاحا كبير وهى على بلد المحبوب ودينى مقام بياتى ، ومنذ ذلك الوقت اقترن اسمه باسمها ، واستمر فى التلحين لأم كلثوم حتى بلغت ألحانه لها أكثر من 90 أغنية على مدى ما يقرب من أربعة عقود آخرها الثلاثية المقدسة عام 1972 وهو بذلك صاحب أطول قائمة ألحان لأم كلثوم بين جميع من لحنوا لها
وقد كون السنباطى فى هذه الرحلة مع أم كلثوم وأحمد رامى الذى اقترن اسمه باسمها أيضا ، ثالوثا فنيا هز مشاعر الملايين فى العالم العربى عام 1937 افرح يا قلبى
وبعد بضعة أعمال لأم كلثوم حقق رياض نجاحا أكبر مع أغنية افرح يا قلبى مقام نهاوند من كلمات أحمد رامى أيضا وإن ظهر فيها تأثره بأسلوب الأستاذ القصبجى
عام 1938 سلوا كئوس الطلا
كان قد سبق لرياض تلحين قصيدتين من شعر أحمد شوقى لأم كلثوم لكن سلوا كئوس الطلا مقام هزام كان لها حظا أوفر من النجاح ، وفى نفس العام قام بتلحين بضع أغنيات لأم كلثوم من شعر أحمد رامى لاقت نجاحا كبيرا أشهرها أغنية الورد فتح مقام بياتى ، ومونولوج النوم يداعب جفونى مقام كورد
عام 1939 فاكر لما كنت جنبى
تابع رياض ألحانه لأم كلثوم فلحن لها أغنية من قالب المونولوج هى فاكر لما كنت جنبى مقام كورد من كلمات أحمد رامى ، ورسم بها ملامح شخصية مستقلة فى التلحين ، وظلت هذه الأغنية تذاع باستمرار قرابة ربع قرن دون أن يملها الجمهور ، وظلت الصورة التى صورها بالشجن الشديد فى بداية الأغنية ثم فى كلمات الموجة بتجرى ورا الموجة عايزة تطولها عالقة بأذهان الناس لفترة طويلة
عام 1940 ح اقابله بكرة
وفق رياض السنباطى فى لحن فى منتهى الرشاقة لأم كلثوم من كلمات أحمد رامى هو ح اقابله بكرة مقام راست وتميزت مقدمته الموسيقية القصيرة بتصوير عال للهفة وفرحة اللقاء أعقبها استهلال غناء أم كلثوم بجمل قصيرة متدافعة أكملت الصورة الشاعرية المتدفقة ، ولو أنه كا ما زال متأثرا بأسلوب القصبجى إلا أن القصبجى كان سابقا لعصره ولم يعب السنباطى أبدا اللحاق بأستاذه على درب التجديد والذى سبقه فى التلحين لأم كلثوم باثنى عشر عاما
فى أواخر الثلاثينات وأوائل الأربعينات ظهرت مجموعة أغان قصار بصوت أم كلثوم اشتركت جميعها بالحداثة والسرعة والخفة إلى جانب قصرها غير المعتاد ، فطول كل منها بضع دقائق لا غير ، وتشابهت تلك الأغانى كثيرا فى أسلوب تلحينها وقد لاقى ذلك الأسلوب قبولا كبيرا لدى الجمهور ، وفوق ذلك فقد تشابهت أيضا فى أنها استمرت تذاع بصفة مستمرة لعشرات السنين وكأنها صنعت لتوها ، تلك المجموعة كان منها لرياض افرح يا قلبى 1937 مقام تهاوند ، و ح اقابله بكرة 1940 مقام راست ، ومنها للقصبجى ما دام تحب بتنكر ليه مقام نهاوند 1940 و يا صباح الخير1944 مقام راست ، وأكمل زكريا القائمة لتصبح مجموعة متميزة فى تاريخ أم كلثوم الفنى ، ويبدو أن ذلك النموذج من الأغانى قد استهوى الملحنين الكبار فى ذلك الوقت حتى أنه يصعب على المستمع التمييز بينها على أساس الملحن ، على عكس الأغنيات الطويلة حيث المجال أوسع لإظهار شخصية الملحن وأضاف القصبجى إلى تلك المجموعة فى نفس الفترة أغنية رشيقة أخرى ولكن بصوت بصوت أسمهان هى إمتى ح تعرف اعتمدت نفس الأسلوب
عام 1940 يا ليلة العيد
شهد نفس العام مولد أغنية أم كلثوم الشهيرة يا ليلة العيد آنستينا وجددتى الأمل فينا على يد رياض السنباطى من كلمات رامى ، وقد صاحب إعلان ظهور هلال العيد إذاعة تلك الأغنية كل عام ، وباتت من علامات الاحتفال بمقدم العيد ، بعدها بثلاث سنوات أبدع الشيخ زكريا أغنية الليلة عيد (حبيبى يسعد أوقاته ) من كلمات بيرم التونسى وأصبحت الأغنيتان من علامات احتفالات العيد كل عام وهما أول شيء تذيعه الإذاعات العربية بعد إعلان رؤية الهلال ، بل أصبحتا دليل الناس على ثبوت الرؤية ، وتضيف ألحانها البديعة بهجة خاصة لليلة العيد ، وهما لا تذاعان الآن إلا فى هذه المناسبة وينتظر سماعها الناس لتبدأ التهانى ، وبهما خط السنباطى وزكريا خطوطهما فى الوجدان العربى ونجحا فى كسب تعلق الجمهور
فى السنوات التالية انشغلت أم كلثوم بعدة أغان غاية فى الثراء للشيخ زكريا من أشعار بيرم التونسى ، وخلال الأربعينات كان على رياض منافسة ذلك العملاق ، الملحن الذى يخشاه الجميع ، الشيخ زكريا الذى بلغت ألحانه لأم كلثوم قمة الشرقية والطرب ، وكان قد كون مع بيرم التونسى ثنائيا عبقريا وتميزت أعمالهما بغوصها فى أعماق الفولكلور والجذور الشعبية للموسيقى ذات التأثير البالغ فى قلوب الناس وتكفى الإشارة هنا إلى بضع من أعمالهما لأم كلثوم ، أنا فى انتظارك ، الآهات ، حبيبى يسعد أوقاته ، أهل الهوى ، الأوله فى الغرام ، الأمل ، الحـلم ، وهى مجموعة من أروع ما لحن زكريا
كما كان عليه منافسة عملاق آخر هو أستاذه محمد القصبجى الذى أتحف الشرق برائعته رق الحبيب لأم كلثوم عام 1944
عام 1946 عام القمـــة
بداية الرومانسيات الطويلة و القصائد الكبرى
شهد ذلك العام مولد أغنيتين شهيرتين لأم كلثوم من كلمات أحمد رامى على يد رياض السنباطى هما يا طول عذابى ، و غلبت اصالح فى روحى التى رد بها السنباطى على رائعة القصبجى رق الحبيب من نفس المقام ، نهاوند ، ويبدو أننا كنا سوف نشهد مسلسلا رائعا من الألحان المتنافسة بين الملحنين الكبيرين لولا توقف القصبجى عن التلحين لأم كلثوم بعدها إثر خلاف بينهما
أرست هذه الأغنية قدمى السنباطى فى تلحين الأغنيات العاطفية الطويلة وأصبح له كلمة عليا فيه ، بل أصبحت ألحانه العاطفية لأم كلثوم ذات طابع خاص اتسم بالشرقية الأصيلة والمحافظة على الأصول العربية للموسيقى مع جمال اللحن وحداثة تراكيبه ، رددها الناس كثيرا وحفظوها عن ظهر قلب على طولها! وكانت بداية سلسلة طويلة من الأغنيات العاطفية التى شحنها الشاعر الرقيق أحمد رامى بكل رومانسيات الشباب وأحلامه ورقة شعوره وحلق الاثنان فيما بعد فى سماء الرومانسية دهرا طويلا بل إن أم كلثوم ظلت لا تغنى إلا لهما ما يربو على العشر سنوات
القصائد الكبرى ولد الهدى ، سلوا قلبى ، نهج البردة
ابتسم الحظ مرة ثالثة لرياض السنباطى عندما اهتدى إلى شيء جديد يقدمه لأم كلثوم ، فقد وارى قليلا أغنياته الرومانسية وقفز قفزة هائلة بثلاث قصائد طويلة من أروع ما كتب شوقى هى ولد الهدى (راست) ، سلوا قلبى (راست) ، و نهج البردة (ريم على القاع - هزام)
ظهرت فى تلك القصائد روح جديدة فى الأغنية العربية تميزت بالأصالة والجدية والتجديد ونالت إعجاب المستمع العربى فى كل مكان ، هنا أصبح رياض ملحنا كبيرا بحق وشتان بين هما قدمه فى هذه القصائد وما قدمه قبل ذلك ، وقد أضاف شعر شوقى بعدا جديدا هو الجمهور العربى خارج مصر الذى تعلق بالقصيدة العربية ، ولا ننسى هنا أن الأفق العربى كان قد ارتاده محمد عبد الوهاب ملحنا ومطربا بقصائد شوقى وغيره، والتنافس بين قمتى الغناء عبد الوهاب وأم كلثوم يحتم عليهما ارتياد نفس الساحات والميادين ، ولا شك أن نتيجة هذا التنافس كانت فى صالح الفن عموما كما أنها أثرت الوجدان العربى بما كان يتوق إلى التعبير عنه بعد عهود طويلة من سيادة الثقافات الغريــبة ، وكما يقال فإن الشعر يظل حبيس الكتب إلى أن يغنى فيعرفه من يقرأ ومن لا يقرأ ، فإذا علمنا أن أكثر من 90% من الشعوب العربية كانوا أميين ندرك أهمية ما فعله الفنانون سواء ملحنون أم مطربون فى نشر الثقافة العربية ومساعدتها على تملك الشعور العام
وهكذا فإن دور السنباطى فى هذا المجال لا يقل عن دور محمد عبد الوهاب تلميذ شوقى ووسيلته الإعلامية الأولى ، ولا يقل دور الاثنان ، وأم كلثوم أيضا ، عن دور شوقى نفسه وبقية الشعراء الكبار الذين أثروا عصر النهضة بأشعارهم ، وكان عبد الوهاب لا يكتفى بإنشاد قصائد مثل دمشق وفلسطين وإنما كان يجوب البلاد العربية بنفسه ويشارك الأمة كلها فى إعلاء ثقافتها ، ولا عجب فى أنه قبل ذلك الحين لم يكن هناك فن حديث يذكر فى أى من بلاد العرب ، ولم يبق لدى الناس غير بعض الفن الشعبى المحلى بلهجات غارقة فى المحلية ، وبعض الموشحات الأندلسية القديمة فى الشام والمغرب ، أما العراق فقد تاثرت فنونه إلى حد بالغ بالفن التركى والفارسى ولم يبق من عروبة أنغامها الكثير
وإنه لعجب حقيقى أن مثل هذا الدور يقوم به افراد ، مهما بلغوا من شأن فهم افراد لا يمثلون كيانا سياسيا ولا حكومات ولا منظمات ولا حتى جمعيات أهلية أو أجهزة إعلام ، فقط أفراد لكنهم تمتعوا بحس عربى عال وجعلوا الموسيقى العربية تحمل لواء نهضة ثقافية يشك فى بلوغها دونها ، وربما من المناسب هنا أن نذكر أنفسنا بأن محاولات طمس الفنون هى محاولات رجعية لا ينتج عنها سوى الجهل والتخلف والتبعية للغير تركياً كان أم أمريكياَ ، وليس لها من فضل سوى طمس هويات الشعوب ودفن وجدانها تحت أقدام الهيمنة الخارجية فيصبح أفرادها أمواتا أو إن أكلوا وشربوا وتنفسوا ، أو عبيدا للغير فى أحسن الأحوال !
عودة إلى الفنان رياض السنباطى نجد أنه ، وبمساعدة توفيق أم كلثوم فى اختياراتها الذكية لما تقدمه من أشعار راقية وقد وجدت فيه الملحن الموهوب الذى يستطيع تطويع الشعر العربى للحن والموسيقى بحيث يردده الناس وكأنهم يستخدمون لهجاتهم اليومية ، قد عهدت إليه بمهمة تلحين القصائد
عام 1947 يبتسم الحظ ابتسامته الكبرى لرياض السنباطى ، فقد اختلفت أم كلثوم مع كل من القصبجى وزكريا وتوقف كلاهما عن التلحين لها ، وبذلك أصبح رياض الملحن الوحيد لأم كلثوم بلا منافس!
لكن كان عليهما معا منافسة الأستاذ القابع فوق القمة ، محمد عبد الوهاب ، فقد كان عبد الوهاب ملحنا ومطربا ولم تكن هناك فرصة لخلافه إلا مع نفسه ، وهو يسير كالقاطرة لا يوقفه شيء ، وهكذا وجد السنباطى نفسه وجها لوجه فى مباراة مع الأستاذ الكبير ، ولعل مجموعة قصائد شوقى التى غنتها أم كلثوم كانت فى سياق ذلك التنافس مع عبد الوهاب الذى كان قد أطلق مجموعة قصائده الكبرى التى رفعته إلى قمة الموسيقى العربية ومنها الجنول ، الكرنك ، كليوباترا ، دمشق ، فلسطين ، دعاء الشرق ، النهر الخالد
عام 1949 ياللى كان يشجيك أنينى
تشدو أم كلثوم بأغنيتها الساحرة ياللى كان يشجيك أنينى ، ويرتفع معها نجم السنباطى للسماء ، فاللحن شجى فعلا بل وفى غاية العذوبة ويثير فى النفس الكثير من العواطف والشجن الجميل ويبرز جمال أنغام الشرق الساحرة ، وقد تغير تذوق الكلمات مع مرور الزمن وتوارت شيئا فشيئا صورة المحب الذليل فى الأغانى لكن اللحن لا يمكن اعتباره إلا من أجمل كلاسيكيات الموسيقى العربية
عام 1949 النيـــــل
أنشدت أم كلثوم لأحمد شوقى إحدى روائعه النيــل (من أى عهد فى القرى تتدفق) من لحن السنباطى فى إضافة جديدة لقائمة أشعار شوقى
عام 1949 رباعيات الخيام
لكن أحمد رامى الشاعر الذى حبس نفسه فى شعر العامية ثارت لديه حفيظة الشاعر ففاجأ الجميع بمفاجأة كبرى ، لقد ترجم رباعيات الخيام الفارسية شعرا إلى العربية! ( سمعت صوتا هاتفا فى السحر .. إلى قول الشاعر لبست ثوب العيش لم أستشر ، وحرت فيه بين شتى الفكر .. إلى ما أطال النوم عمرا ، وما قصر فى الأعمار طول السهر ..) ، ليست مهمة سهلة بل دلت على براعة الرجل وتمكنه الكامل من اللغة والشعر ، المفاجأة التالية يلحنها السنباطى بلحن عربى أصيل ويتسيد بها تلحين القصيدة ، وموضوع القصيدة هنا قد تعدى الخلفية القومية والدينية والمذهبية إلى آفاق إنسانية واسعة تخاطب عقل الإنسان وشعوره فى كل مكان
ومرة أخرى نتساءل ما الذى كان يفعله هؤلاء الفنايون والشعراء فى تلك الحقبة حالكة السواد من تاريخ الأمة العربية وقد انتشرت الأمية وضعفت اللغة وتهاوت الهوية وساد الاحتلال الأجنبى كل بقعة فى الشرق وساد معه الهابط من الفنون والعادات ، ورغم ذلك فإنهم ينقبون فى درر الشرق الثقافية ويقدمون أعمق ما يكون من فكر فى صور فنية غاية فى الثراء والترقى ، ومع هذه القافلة الفنية سارت قافلة أدبية من روادها أحمد شوقى ، حافظ ابراهيم ، العقاد ، المازنى ، طه حسين ، توفيق الحكيم وغيرهم كثيرون ، وكانت تصدر مجلات وصحف وتنشر كتب مليئة بالنقد والتنوير وأين هذا من فنانى اليوم وشعرائه؟ أليس الشعر قد اختفى الشعر والفن قد هزل من ورائه ، ولم يعد على الساحة غير المرتزقة وتجار الفن الرخيص؟! ، ولكن إن لم يكن هذا موضوعنا هنا فموضوعنا هو الإشادة بكل عمل محترم لا يخجل الإنسان من رؤيته أو سماعه ، ولن تقوم لنا قائمة إلا بترديد ما يعبر عن هويتنا ومشاعرنا بصدق وليس ما يملى علينا سواء من الخارج أو من تجار الفن بالداخل ، بيد أن الفن ليس أشخاصا كما يبدو من هذه الزاوية ، فهو كغيره من الإبداعات البشرية فى العلوم والنظم والاكتشافات يحتاج لبيئة صالحة تساعده على النمو السليم ، وكيف تدلى الأجيال الجديدة بصوتها فى منظومة التنمية والازدهار وهى غارقة فى سطحيات المادية وبطحاتها؟! مع نمو حركة النهضة الثقافية فى أواسط القرن العشرين كانت الموسيقى مادة ندرس فى المدارس ثم توقف تدريسها مع توقف أشياء أخرى كثيرة كالرياضة والهوايات والمسرح المدرسى والوجبة المدرسية والنشاط بكافة أنواعه ، فانتشر الدجالون ومدعو الفن بين الشباب يسوقون أعمالا لا تمت للفن الحقيقى بصلة والجمهور الجديد أصلا لديه مشكلة هوية وانتماء وثقافة وإن حمل أعلى الشهادات!
العـــودة للرومانســـية
عام 1950 سهران لوحدى
عام 1951 يا ظالمنى
أرسى رياض السنباطى معالم مرحلة جديدة فى التلحين لأم كلثوم فقد لحن لها فى رابع أغنية عاطفية طويلة لحنا رومانسيا جديدا هو سهران لوحدى أتبعه بأغنية يا ظالمنى عام 1951 وبدأ يسترجع خطه الرومانسى مع الشاعر الحالم أحمد رامى فأنتجا معا أجمل ألحان أم كلثوم العاطفية ومعظم كلمات هذه السلسلة لأحمد رامى
المــــــــد الوطنى
عام 1951 مصر تتحدث عن نفسها
وقف الخلق .. ينظر كيف أبنى قواعد المجد وحدى .. هكذا أنشدت أم كلثوم قصيدة مصر تتحدث عن نفسها لشاعر النيل الكبير حافظ ابراهيم .. كانت إرهاصات انتفاضة مصرية امتدت آثارها البعيدة فيما بعد على المنطقة كلها .. الكلمات تتحدث فى فخر واللحن يزيدها فخرا وعلوا ، وتضحى الجدية سمة أساسية ، السنباطى يتبنى قضية وطنه ويعبىء الشعب لانتفاضة قادمة لهوية طالما حاول القوى الخارجية طمسها ولكنها لم تمح أبدا من ذاكرته ، لم يعد الفن للتسلية ولا للصالات ، أصبح سلاحا وطنيا يحرك الشعوب ، وهو بذلك قد لحق بركب محمد عبد الوهاب الوطنى

عام 1952 ثورة يوليو والتغـييــر
تقوم ثورة يوليو فى مصر ويبدأ عهد جديد فى كل شيء ، ويستقر الفن على شيئين ، التعبير عن الفرحة بقدوم عهد الحرية ، وزوال التوتر والألم من جراء معاناة الاحتلال والقهر واستبدالهما بمشاعر الاستقرار والأمل فى المستقبل ومن ثم تغير لون الإبداع
استمر رياض السنباطى ملحن أم كلثوم الوحيد ما يقرن من عشر سنوات أثبت خلالها عبقريته ومقدرته الفنية العالية ، وكانت ألحانه يطلق عليها ألحان" دسمة" نظرا لثراء أنغامها وتعبيراتها وأيضا لطول تلك الأعمال وألحان رياض لأم كثوم لها طابع خاص ومذاق عذب جعل كثير من الناس ترى أن رياض هو أفضل من لحن لأم كلثوم
كلاسيكيات السنباطى العاطفية لأم كلثوم
الأغنيـــــــة مقــــــام عــــام الأغنيـــــــة مقــــــام عــــام

فاكر لما كنت جنبى كورد 1939 عودت عينى كورد 1958
غليت اصالح نهاوند 1946 دليلى احتار كورد 1958
ياللى كان يشجيك أنينى كورد 1949 هجرتك كورد 1959
سهران لوحدى هزام 1950 لسه فاكر عجم 1960
يا ظالمنى كورد 1951 ثورة الشك نهاوند 1960
جددت حبك ليه نهاوند 1952 الحب كده بيـاتى 1961
أغار من نسمة الجنوب راست 1954 حيرت قلبى كورد 1961
ذكريات نهاوند 1956 اقولك إيه بياتى 1961
ح اسيبك للزمن راحة أرواح 1957 لا يا حبيبى نهاوند 1965
أروح لمين راست 1958 الأطلال راحة أرواح 1966
قصة الأمس نهاوند 1958 أراك عصى الدمع كورد 1967
عودت عينى كورد 1958 أقبل الليل كورد 1969
دليلى احتار كورد 1958 من أجل عينيك بياتى 1972
أضاف السنباطى لألحانه العاطفية ألحانا دينية أكمل بها السلسلة التى بدأها عام 1946 وأخرى وطنية أضافها للحنه الوطنى الشامخ مصر تتحدث عن نفسها
أغان دينيــــة لأم كلثوم
ولد الهدى راست 1946
سلوا قلبى راست 1946
نهج البردة هــزام 1946
إلى عرفات الله هــزام 1955
حديث الروح هــزام 1967
القلب يعشق كل جميل بياتى 1971
الثلاثية المقدسة هزام 1972
أغان وطنيــة لأم كلثوم
مصر تتحدث عن نفسها راست 1951
مصر التى فى خاطرى نهاوند 1952
مثال الوطنية هــزام 1954
شمس الأصيل حجاز كار 1955
صوت السلام بياتى 1956
بطل السلام هزام 1958
بغـــــداد راست 1958
غنية الســد راست 1960
ثـــــــوار حجاز كار 1961
طوف وشوف كورد 1964
حبنا الكبير عجم 1965
راجعين بقوة السلاح عجم 1967
دوس على كل الصعب عراق 1967
ألحان لغير أم كلثوم
لحن السنباطى عشرات الألحان من المطربين والمطربات ، وكلها ألحان جيدة اتسمت بنفس الصفات من الأصالة وشرقية الأنغام ، حققت شهرة كبيرة لمغنييها ، منها أغنية لعبةالأيام لوردة الجزائرية ، لكن لم ترق أى أغنية منها إلى مستوى أغانى أم كلثوم ، ولا يعرف السبب الحقيقى وراء هذا الاختلاف ، فهناك من يرى الفرق فى صوت أم كلثوم وأدائها ، بينما يرى آخرون أن السنباطى كان يجيد أكثر عندما يلحن لأم كلثوم!
غنــــــاء الســنباطى
عرفت عدة ألحان مما لحن السنباطى لنفسه وغناها بصوته منها لحنه الشهير على عودى ، لكنه لم يحترف الغناء ، وهو عند الجمهور ملحن بالدرجة الأولى
كان السنباطى من المعجبين بألحان سيد درويش والمتأثرين به ، وقد غنى له أحد أدواره بصوته وهو دور أنا هويت وانتهيت ، وهذه لفتة هامة حيث لم يسبق لرياض الغناء من ألحان غيره بعد احترافه التلحين
فى الموسيقى البحتة من أشهر ما ألف رياض مقطوعة من قالب اللونجا التركى السريع من مقام نهاوند ، وأسماها باسمه ، لونجا رياض ، كما جرت العادة القديمة فى تسمية المقطوعات المؤلفة على القوالب الموسيقية الكلاسيكية ، وهى مقطوعة غاية فى الجمال وتحتوى على ألوان من الجمل السريعة الرشيقة التى تحتاج لمهارة فائقة فى العزف
فى العزف على العود
لرياض معزوفات قيمة على آلة العود يحرص الهواة على اقتنائها باعتباره من أمهر عازفى الشرق ، وقد سجلت تلك التقاسيم بأسماء مقاماتها الموسيقية ، كتقاسيم نهاوند ، تقاسيم بياتى ، تقاسيم حجاز كار وهكذا ، وله أسلوب متفرد فى التقاسيم يعتمد على المزج بين براعة التكنيك وجمال الجملة الموسيقية
ويشترك السنباطى مع محمد القصبجى ومحمد عبد الوهاب فى شهرتهم كعازفين على العود من الطراز الأول
تقييم ألحان السنباطى
لم يفشل لحن لرياض السنباطى ، هكذا تولد الانطباع لدى الجمهور والموسيقيين أيضا ، وحاول ملحنون كثيرون تقليد السنباطى فى ألحانهم لمختلف الأصوات الغنائية ، ونستطيع القول بأن السنباطى كان أكثر الملحنين الرواد هدفا للتقليد إعجابا بأسلوبه الشرقى الأخاذ وأصالة موسيقاه
ويشترك السنباطى مع الشيخ زكريا أحمد فى ميله للشرقية والمحافظة على النغم العربى الأصيل ، وقد آثر البعد عن التجريب ولم يتأثر كثيرا بموسيقى الغرب ، فإذا استمعت إلى موسيقاه فأنت تستمع بحق إلى موسيقى الشرق العربى
ويصعب تفضيل أحد ألحان رياض على الآخر لكن فى رأينا أن لحنيه شمس الأصيل والأطلال لأم كلثوم قد بلغ فيهما قمة الأصالة والإبداع

السنباطي يغني سلوا كؤوس الطلا

الأستاذ رياض السنباطي هنا يتكلم ويشرح للمشاهدين قصة أول قصيدة فصيحة قام بتلحينها لأم كلثوم وكانت من نظم أمير الشعراء أحمد شوقي بك وهي قصيدة سلوا كؤوس الطلا
حمل من هنا :

رياض السنباطي ، أيها النغم الجميل

في بيئة فنية موسيقية وفي جو من الطرب العربي الصميم ظهر نجم لامع تألق بسرعة البرق في سماء الفن واحتل مكانة بارزة في أجواء الموسيقى العربية الأصيلة وبرز في العزف على العود وهيمن على أعلى المستويات في ميدان التلحين هو الأستاذ رياض السنباطي صاحب الصوت الرخيم والعود الصادح واللحن المميز وليست هذه المزايا الفنية بغريبة على رياض لقد تغلغل الفن في بيته ومسكنه إذ كان أبوه مطربا لامعا وعوادا قديرا فولدت في رياض الموهبة الأولى وفي معهد الموسيقى العربية صقل هذه الموهبة واكتسبت بريقا لماعا فكانت موهبته بين الفطرة والاكتساب ولد رياض السنباطي في مدينة المنصورة ونشأ برعاية والد موسيقي فنان أخذ الولد عن أبيه بعض المبادئ الموسيقية ولما اشتد ساعد الولد أرسله أبوه إلى المدرسة لتلقي المبادئ الأولية من التعليم ولكنه لم يكمل المرحلة بل انضم تحت لواء أبيه فعلمه العزف على العود وأصول الغناء فشارك والده العمل كمطرب على تخته في مسارح المنصورة فأطرب جماهيرها بجمال صوته وفتن سامعيه ببراعة أدائه انه نشأ نشأة فنية أصيلة وبدأت تظهر عبقريته فراح يقلد المرحوم محمد القصبجي في ألحانه وغنائه وكان رياض معجبا بألحان القصبجي مفتونا بها لقد رددها وتغنى بها كثيرا وحفظها حفظا متقنا وبعد أن تزود بالمعرفة الموسيقية بدأ يتصل بالمطربين والمطربات في القاهرة ويلحن لهم الألحان الرائعة وأصبحت ألحانه على كل لسان وشفة وأصبحت ألحانه تعادل ألحان محمد القصبجي وتألق نجمه وبرزت شهرته فاستدعته مطربة الشرق أم كلثوم ليزودها بألحانه وفنه فلحن لها أروع القصائد أبدع الطقاطيق وكان لنهجه التلحيني طابع خاص مميز مما دعا أم كلثوم فترة طويلة من الزمن أن لاتغني غير ألحان رياض إنها عبقرية فذة ومقدرة فنية لا تجارى وفي الحقيقة لحن الكثير من الملحنين لأم كلثوم ولكن ألحان رياض ما زال لها طابعها وميزتها أن القصائد الطويلة أمثال "نهج البردة" و "الهمزية" كان رياض أول من بدأ بتلحينها لأم كلثوم وبالطبع جاء صوت أم كلثوم لهذه الألحان كالتكملة للعقد وكالبريق للآلئ واصبح أخيرا الملحن الممتاز لصوت مطربة الشرق أن رياض السنباطي سار في بداية أمره على نهج مدرسة محمد القصبجي ولكن في نصف الطريق اختار لنفسه أسلوبا خاصا ولكن هذا الأسلوب على ما يبدو جف قليلا في آخر الأمر وبدأ يستعمل في ألحانه جمله الموسيقية القديمة لألحانه الحديثة وبهذه المناسبة نستطيع أن نقول أن رياض يختلف عن زميله شيخ الملحنين الشيخ زكريا احمد الذي ظل يلحن الأدوار والقصائد حتى آخر حياته دون أن يقلد نفسه بما أنتجه من الحان أي أن الشيخ زكريا بحر زاخر لا ينضب وفي الحقيقة أن هذا الملحن لعب دوره الفني الكامل في الموسيقى انه موهبة السماء لهؤلاء السعداء لان هذه الموهبة هي التي تفيض عليهم بنعمة الشهرة والمال ولا يمكننا أن نتركها كما يقول البعض للحظ فالحظ يمكن أن يكون إذ كان الإنسان خاليا من الموهبة أما مع الموهبة الأصيلة فيمكننا أن نعيد القول بأنها موهبة السماء لهؤلاء السعداء

لونجا رياض السنباطي

حملها من هنا :

من اجل عينيك عشقت الهوى:بصوت وعزف رياض السنباطي

نادرة ورائعة السنباطي من اجل عينيك عشقت الهوى التي لحنها لكوكب الشرق ام كلثوم وكلمات الامير عبدالله الفيصل
حمل من هنا :
الجزء الاول
الجزء الثانى
الجزء الثالث
الجزء الرابع
الجزء الخامس
الجزء السادس و الاخير

لا تقل لى ضاع حبى من يدى

بصوت السنباطى
قصيدة لا تقل لى ضاع حبى من يدى
حملها من هنا :

رباعيات الخيام بصوت السنباطى

من اجمل القصائد
رباعيات الخيام
بصوت امير النغم ... رياض السنباطى
حملها من هنا :

ربى سبحانك دوما

من اجمل الاغانى الدينية
حملها من هنا :

http://www.4shared.com/file/7224170/18a69865/rabbi_sob7anak.html

رياض السنباطى

ملحن وعلم من أعلام الموسيقى العربية على مدى نصف قرن ، ارتبط اسمه خلالها بتلحين القصائد والأغنيات الكلاسيكية لكبار المطربين خاصة السيدة أم كلثوم.
عمل في بداية حياته الفنية مغنيا في الأفراح ، والموالد ، وعازفا للعود، ثم ملحنا قبل أن يبدأ الغناء بالإذاعة المصرية عام 1934 ، وفي عام 1960 عين رئيسا للجنة " التظلمات " بالإذاعة والتليفزيون وشركة اسطوانات صوت القاهرة 0 *ارتبط اسم رياض السنباطي بالعديد من الأغاني الشهيرة التي تحولت من قصائد إلي أغاني كما ارتبط اسمه بكوكب الشرق السيدة / أم كلثوم

-كان عضوا لنقابة المهن الموسيقية ، وعضوا في جمعية المؤلفين بفرنسا ، وعضوا للجنة الموسيقي بالمجلس الأعلى للفنون والآداب ، وعضوا لجمعية المؤلفين والملحنين 0ركان عضوا لعدد من الجمعيات منها : - كما حصل علي وسام الفنون من الرئيس الراحل / جمال عبد الناصر عام 1964 ، وعلي جائزة المجلس الدولي للموسيقي في باريس عام 1964 ، وعلي جائزة الريادة الفنية من جمعية كتاب ونقاد السينما عام 1977 ، وحصل علي جائزة الدولة التقديرية في الفنون والموسيقي ، ووسام الاستحقاق من الطبقة الأولي من الرئيس الراحل / محمد أنور السادات ، وعلي الدكتوراه الفخرية لدوره الكبير في الحفاظ علي الموسيقي ، وحصل أيضا علي جائزة الدولة من اليونسكو
- توفي في بداية الثمانينات بعد أن ترك تراثا هائلا من الأغنيات و الأعمال الموسيقية الخالدة التي غناها كل المشاهير من مطربي عصره.